رمزي العبيدي: رعد خالد تغوج وقضية الشعر الجاهلي في جريدة ( الزمان )

خالد تغوج

نشرَتْ جريدة الزمان بطبعتها الدولية وبعددها ( 4071 ) ، الصادر يوم الخميس 15 / كانون الأوَّل / 2011م ، مقالة للسيد رعد خالد تغوج ، بعنوان : ( في قضية الشعر الجاهلي ) ، وردَتْ فيها كثير من المغالطات والأباطيل .
وقبل الدخول معه في مناقشةٍ لهذه المغالطات وتفنيدٍ لهذه الأباطيل ، لا بُدَّ لي من أنْ أشير إلى أنَّ هذا الكاتب الأردنيَّ الشاب يقدِّم نفسه أو يُقدَّم له على الشبكة الدولية للمعلومات ـ الإنترنت ـ عبر موقع ويكبيديا الموسوعة الحرَّة ، بأنَّه مولود في 11 / 2 / 1989م ، ويقول أو يقال عنه بأنَّه ( كتب العديد من المقالات التي تتبنى نزعة نقدية ) ، ولمْ أفهمْ من هذه العبارة أو لمْ أعرفْ ما هي النزعة النقدية التي يقصدها ؟ ، ربَّما لأنَّني لا أعرفْ أنْ أقرأ ما بين السطور ، خصوصاً إذا كان ما بينها من المبهمات التي تتحمَّل ـ أو تحتمل ـ أكثر من وجه ، كما في حالتنا هذه ؛ وكتب أو كُتِب عنه في الموقع الالكتروني ذاك بأنَّه ( يعتبر ـ الصواب يُعَدُّ ـ من أصغر الصحفيينَ والكُتَّاب في الأردن والوطن العربي ) ، وأيَّاً كان كاتب هذه العبارة فهو يريد أنْ يدلِّل بها أنَّ صغر السنِّ هو ميزةٌ أو دالة على الآخرينَ ، وكأنَّه هو الوحيد الذي بدأ بالكتابة وهو صغير السنِّ ، والحقيقة أنْ لا علاقة للعمر بالكتابة ، وكذا لا علاقة للتحصيل الأكاديمي بها ، فالكاتب المصري عباس محمود العقاد الذي لا يمتلك تحصيلاً أكاديمياً في العربية وآدابها وهو من أشهر كتَّابها .
لقد احتوَتْ مقالة السيد تغوج على الأخطاء بأنواعها أو على كلِّ أنواع الأخطاء : الإملائية ، واللغوية ( نحوية وصرفية ) ، والبلاغية ، ونسردها من السطر الأوَّل إلى السطر الأخير كما خطَّها بقلمه ، وكما يلي :
( مِصرعيه ، القرأن ، نُجزم ، بان ، حقاً جاهلي ، العباسي ، لا أخفي القارئ بأن ، مذ ، إنتحال ، المُحَدثة ، وغيرها ، أو أخر ، أو اخر ، فواضعه ، هو أبن ماء السماء ، ومن هو أبن ماء السماء هذا ، فلا ندري ، إلا سبباً واحد ، بأي صلة من الأحوال ، عن أن أبن النديم ، أبن خلكان ، أبن قتيبة ، الإنتحال ، الروايت ، متضاربة ، يشك ، فأمرئ القيس ، كان أسمه حندجاً ، وكان أسمه قيس ، اسم أباه ، أسم أبيه ، عُمرا ، أسم أمه ، وكانت أسمها في مرجع أخر فاطمة ، أن أمرئ القيس لما توفي أباه حجراً ، رماني أبي صغيراً ، فلا صحوٌ اليوم ولا سكرٌ غداً ، اليوم خمرٌ وغداً خمر ، أنْ طه حسين ، لأبي عباس محمد بن الضبي ، المرجع ، فهل ترى طه حسين سكت عن هذا المرجع المهم ، أم أن الكتاب ، أن المحققيين ، أن المؤرِّخينَ ، أن المتلقي ، سواء كانتْ دينية أو تاريخية ، أبن الأثير ، القرأن ، أن الخليفة المهدي ، أن الخليفة ، بأن حماداً ، الضب ، الفها مؤلفون مجهولين النسب ، الأباحاث ، الإنتحال ، أمام نظرتان ، الرؤيتينِ ، عدم الشك ، لأن السليقة ، أمتدت الأيام ) .
وتصحيحِي لها أكتبه لكم بالترتيب أيضاً من السطر الأوَّل إلى السطر الأخير ، كما يلي : ( مِصراعيه ، القرآن ، نَجزم ، بأنَّ ، جاهلي حقاً ، نهاية العصر الأموي ومطلع العصر العباسي عندما ظهر الرواة المحترفونَ ، لا أخفي [ على ] القارئ أنَّ ، منذ ، انتحال ، الحديثة ، وغيره ، أو بآخر ، أو آخر ، الذي وضعه ، ابن ماء السماء ، من هو ابن ماء السماء هـذا ؟ ، لا ندري ، إلا سبباً واحداً ، بأيَّةِ حالٍ [ حالةٍ ] من الأحوال ، عن أنَّ ابن النديم ، ابن خلكان ، ابن قتيبة ، الانتحال ، الروايات ، جاءَتْ [ كانتْ ، وردَتْ ] متضاربة ، يشكِّك ، فامرؤ القيس ، كان اسمه حندجاً ، وكان اسمه قيس ، اسم أبيه ، اسـم أبيه ، عُمَراً أو [ عَمْراً ] ، اسم أمه ، وكان اسمها في مصدر آخر فاطمة ، أنَّ امرأ القيس لمَّا توفي أبوه حجر ، ضيَّعني صغيراً ، لا صحوَ اليومَ ولا سكرَ غداً ، اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ ، إنَّ طـه حسين ، أبي العباس المفضَّل بن محمد الضبي ، فهل ترى أنَّ طه حسين سكت عن هذا المصدر المهم ، أم أنَّ الكتاب ، سؤال آخر ، إنَّ المحققينَ ، أنَّ المؤرِّخينَ ، بأنَّ المتلقي ، سواء كانتْ دينية أم تاريخية ، ابن الأثير ، القرآن ، إنَّ الخليفة المهدي ، أنَّ الخليفة ، أنَّ حماداً ، الضبي ، ألَّفها مؤلِّفونَ مجهولو النسب ، الأبحاث ، الانتحال ، أمام نظرتينِ ، النظرتينِ ، عدم التشكيك ، لأنَّ السليقة ، امتدَّتِ الأيَّام ) .
ولو أردْتْ أنْ أشرح له هذه الأخطاء ، أو أبرِّر له كلَّ هذه التصحيحات ، لاحتجْتُ لخمس صفحاتٍ من جريدة ( الزمان ) ، وقد لا تكفي ، ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ الكاتب تغوج قد أساء استخدام علامات الترقيم في هذه الأكتوبة ، التي كان فيها سيِّئاً في كلِّ شيء .
ماذا ننتظر من كاتبٍ بهذا المستوى الضعيف ، يخطِئ كلَّ هذه الأخطاء المختلفة والمتنوعة ـ إملائية ، ولغوية ( نحوية وصرفية ) ، وبلاغية ـ في مقالةٍ قصيرة ، أنْ ينتج عندما يكتب عن قضية الشعر الجاهلي أو غيرها من القضايا الأدبية ؟ ، أقول : لا ننتظر منه إلا المغالطات والافتراءات والأراجيف والأباطيل .
وما أردُّ عليه إلا احتراماً للذوق العام وللقرَّاء الكرام ، وأصحِّح أغلاطه وأخطاءه ، وأبيِّن أراجيفه وافتراءاته ، وعليه أنْ يشكرني ويعترف بفضلي ودالتي عليه ، وأنصحه بالتوقف عن الكتابة في أيِّ مجال حتى يتعلَّم قواعد اللغة ، ولا يكتب في أيِّ موضوع أدبي قبل أنْ يقرأ عن الأدب العربي وتاريخه ، وإذا أراد الردَّ على مقالتي هذه فعليه أنْ يمسك كتاباً ويتعلم ، لذا لنْ أردَّ عليه إذا كتب معقباً عليَّ في هذه الأكتوبة ، حتى لا أقارن بمن هو دوني أو اقلُّ منِّي ، ويقال معركة أدبية أو مناظرة بين رمزي العبيدي ورعد خالد تغوج .
لقد أساء هذا الكاتب لنفسه وإلينا نحنُ جمهور القراء ، وقد أثبت بأكتوبته هذه أنَّ الأدب والثقافة العربية ليسا بخير ، أو ليسا كما يجب أنْ يكونا ، أو ليسا على ما يُرام ، إذا كان هذا هو مستوى كُتَّابنا الشباب ؛ وسأقوم بعد أنْ ناقشته في اللغة والبلاغة بمناقشة أسلوبه ومضمونه في أسطاري الآتية التي أستطيع أنْ أقول فيها جازماً : إنَّ هذا الكاتب الشاب رعد خالد تغوج :
1 . لم يقرأ كتاب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ( في الشعر الجاهلي ) الذي صدر في العام 1926م ، بطبعةٍ أولى لدار الكتب المصرية بالقاهرة ، والمطبوع طبعاتٍ أخرى عديدة ، أعتقد أنَّ آخرها كانَتْ صادرة في طبعة خاصة لدار المدى للثقافة والنشر / دمشق 2001م ، ضمن سلسلتها : الكتاب للجميع ( 16 ) ، وأعرف ولا أجهل أنَّ هناك طبعة صدرَتْ بعد هذه الأخيرة عن الدار المصرية اللبنانية في العام 2010م ، بتقديم الكاتب المصري سامح كريم ، بعنوان : ( في الشعر الجاهلي تأليف الدكتور طه حسين / تقديم ودراسة وتعليق سامح كريم ) ، لكنَّها قد تكون طبعة ثانية بتقديم الأستاذ كريم ؛ المهمُّ : إنَّ صاحبنا لم يقرأ هذا الكتاب الذي أهداه العميد إلى صاحب الدولة عبد الخالق ثروتْ باشا ، وقدَّمه له مع تحية خالصةٍ وإجلال عظيم ، مبيِّناً إعجابه به في ميداني السياسة والأدب .
2 . ولم يقرأ أيضاً الكتاب الثاني للعميد الذي أصدره في العام 1927م ، بعنوان : ( في الأدب الجاهلي ) ، والذي كتب في مقدِّمته : ( هذا كتاب السنة الماضية ، حُذِف منه فصلٌ وأُثبِتَ مكانه فصلٌ ، وأضيفتْ إليه فصول ، وغُيِّر عنوانه بعض التغيير ) ، وهما الكتابان اللذان تناول فيهما العميد قضية انتحال الشعر الجاهلي .
3 . وليسَتْ عنده فكرة عن تلك المقالة الطويلة المعنونة : ( أصول الشعر العربي ) ، التي كتبها المستشرق ـ اليهودي الديانة والمعتقد البريطاني الجنسية ـ ( ديفيد صمـؤيل مرجليوث ) أستاذ العميد في جامعة ( السوربون ) الفرنسية ، ونشرها في مجلة ( الجمعية الآسيوية الملكية ) الإنجليزية في العام 1925م ، التي كان يرأس تحريرها بنفسه ؛ ومؤكَّدٌ أنَّ السيد تغوج لا يعرف أنَّ لهذه المقالة المهمة أربع ترجمات هي بالترتيب الزمني : ترجمة الأستاذ الدكتور يحيى الجبوري الصادرة في كتابٍ مستقلٍ طبعته له مؤسَّسة الرسالة ببيروت طبعة أولى عام 1977م ؛ وترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي الموجودة في كتابه ( دراسات المستشرقين حول صحَّة الشعر الجاهلي ) ، المطبوع بدار العلم للملايينَ طبعة أولى عام 1979م ؛ وترجمة الدكتور عبد الله أحمد المهنا ، المنشورة بقسمينِ في مجلة ( الشعر ) الفصلية القاهرية في عدديها : ( 21 ) الصادر في كانون الثاني 1981م ، و ( 22 ) الصادر في نيسان منه ، وآخرها أو أحدثها ترجمة الدكتور إبراهيم عوض في كتابٍ طبعته له دار الفردوس بالقاهرة عام 2006م .
4 . ولا يعرف شيئاً عن كتب المعترضينَ على كتاب ( في الشعر الجاهلي ) ، أو على عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في كتابه ذاك ، أو على نظريته الجديدة :  وأهمُّها وأشهرها هي : ( تحتَ راية القرآن ) للشيخ مصطفى صادق الرافعي ، و ( محاضرات في بيان الأخطاء العلمية التاريخية التي اشتمل عليها كتاب في الشعر الجاهلي ) للشيخ محـمد الخضري ، و ( الشهاب الراصد ) للأستاذ الدكتور محمد لطفي جمعة ، و ( نقض كتاب في الشعر الجاهلي ) لشيخ الأزهر محمد الخضر حسين ، و ( نقد كتاب الشعر الجاهلي ) للأستاذ محمد فريد وجدي ، و ( النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي ) للدكتور محمد أحمد الغمراوي ؛ والأخير اعترض على كتاب العميد الثاني الذي هو : ( في الأدب الجاهلي ) .
5 . وغير هذه الكتب التي ذكرْتُ ، كتاب : ( طه حسين في ميزان العلماء والأدباء ) للشيخ محمود مهدي الإستانبولي ، ضمَّنه مؤلفه مقالات لمجموعة كُتَّاب اعترضوا على الدكتور طه حسين ؛ وكتاب آخر للأديب والباحث السوري الأستاذ محمد كامل الخطيب بعنوان : ( القديم والجديد ) ، جمع فيه الأستاذ الخطيب مقالاتٍ لكُتَّاب مختلفينَ في آرائهم وتوجُّهاتهم حول العميد وقضية انتحال الشعر الجاهلي ، وقدَّم لها تقديماً رائعاً ؛ ويشبه هذا الكتابان القسم الأوَّل المعنون : ( طه حسين ) من الكتاب الثقافي الدوري ( قضايا وشهادات ) ، الصادر عن مؤسَّسة عِيبال للدراسات والنشر بدمشق .
6 . ولمْ يسمعْ بمحاكمة طه حسين التي جرَتْ أمام النيابة العامة المصرية ، والتي وثَّقها الأستاذ الروائي الراحل خيري شلبي في كتابٍ فريدٍ بعنوان : ( محاكمة طه حسين ) ، طبعته له المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر لصاحبها الدكتور عبد الوهاب الكيالي عام 1972م ، والذي أطلع فيه القرَّاء لأوَّل مرَّة على قرار تلك النيابة العامة ورئيسها الأستاذ محمد نور ، بشأن التحقيق مع العميد حول ما جاء في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) ، فقد نشر الأستاذ شلبي هذا التحقيق بنصِّه وفصِّه من ملفاتها ، بعد أنْ عثر عليه أو به أثناء تقليبه في إحدى المكتبات القديمة في منطقة ( درب الجماميز ) بالقاهرة ، سبقه بمقدِّمة طويلة جداً ؛ بدأَتْ هذه المحاكمة بأنْ حضر الدكتور طه حسين أمام رئيس نيابة القاهرة محمد نور بتاريخ 19 / تشرين الأوَّل / 1926م ، واستمرَّت التحقيقات معه خمسة أشهر وأحد عشر يوماً ؛ وكانتْ النتيجة النهائية التي صدرَتْ عن النيابة العامة المصرية في 30 / آذار / 1927م ، بأنْ تحفظ الأوراق إدارياً لأنَّ القصد الجنائي غير متوفر عند العميد المتهم ، وإنَّ غرضه لم يكن الطعن والتعدي على الدين الإسلامي ، وما ورد في بحثه من عباراتٍ تمسُّه كانتْ في سبيل البحث العلمي ، أو لأنَّه يعتقد أنَّ بحثه يقتضيها .
7 . أمَّا ما يجب علينا تعداده من الكتب التي أيَّدَتْ العميد وآراءه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فهي : ( طه حسين عميد الأدب العربي ) ، و ( طه حسين فكر متجدِّد ) للأستاذ سامح كريم ، و ( قاهر الظلام ) للأستاذ كمال الملاخ .
8 . لم يذكر السيد تغوج من الكتب التي ألِّفتْ بعد كتابي العميد وناقشته بما جاء فيهما ، أو اعترَضَتْ عليه ، غير كتابٍ واحد يتيم لم يكتبْ عنوانه كاملاً ، وربَّما يكون قد سمع به ، وأؤكِّد أنَّه لم يقرأه أيضاً ، وهو كتاب الدكتور ناصر الدين الأسد : ( مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ) المطبوع بدار الجيل ببيروت ، وفي هذا الكتاب حفظ الدكتور ناصر الدين الأسد للعميد هيبته ومكانته ، ولم يتعرَّض له بإساءَة أو تغرُّض ، وأحجم عن تكفيره كما فعل غيره ، وهو بذا يشكِّل ظاهرة فريدة في كلِّ مَن تعرَّضوا لطه حسين أو اعترضوا عليه ، وصاحبنا تغوج لا يدري ! .
9 . كتب اسم عميد الأدب مجرَّداً هكذا : ( طه حسين ) بدون ألقاب ، وأنا أستنكر هذا منه ومن غيره ، فمَن له مثل إنجازات العميد وإناراته ، أو تحصيله العلمي الأكاديمي ، أو سبقه في كونه الطالب العربي الأوَّل الذي استطاع اجتياز امتحان السنة التحضيرية الأولى في جامعة ( السوربونَ ) بنجاح من المرَّة الأولى وبتفوق أيضاً ، وهو البصير الذي لا يبصر بعينيه ؛ هذا الامتحان الذي فشل في اجتيازه المبصرونَ بأعينهم لمرَّات عديدة ، ومنهم الأستاذ محمد صبري ـ الدكتور فيما بعد من نفس الجامعة ـ الذي كانَ أوَّل مهنِّئي العميد بهذا النجاح وذاك التفوق ، وكانَ يرى أنَّ الدكتور طه حسين قد أخذ بثأره وثأر غيره من تلك الجامعة وأساتذتها بنجاحه وتفوِّقه ! .
***
وتسألني كيف كتب تغوج وهو لم يقرأ شيئاً ولا يعرف شيئاً ؟ ، أقول لك : إنَّه لو كان قرأ لكتب بموضوعية ، وهو لم يفعل بل فشل حتى في نقل نصٍ عن امرئ القيس بن حجر ، ناهيك بضعف لغته وركاكة أسلوبه وتهلهل عبارته ، ودليلي على ذلك كلِّه أخطاؤه الإملائية واللغوية والبلاغية التي بينتها قبلاً ؛ وعن كونه لا يعرف ، فهو لا يعرف لأنَّه لم يحاول أنْ يعرف ، وسأبيِّن ذلك كلِّه عندما أوجر في أراجيف وأباطيل أكتوبته وتلفيقاته فيها.
لقد طالتْ مقالتي هذه عن رعد خالد تغوج ، الذي ليسَتْ له أيَّة علاقة بقضية الشعر الجاهلي وموضوع انتحاله ، فهذا الشاب يدَّعي أنَّه تلميذٌ للأستاذ الدكتور محمد علوان ، الذي لا أعتقد أنَّ له رأياً مسجَّلاً أو مكتوباً عن الشعر الجاهلي وقضيَّته ، لكن ربَّما له محاضرة أو محاضراتٌ عنه أو فيه ، وأظنُّ أنَّ تغوج سمعها أو دوَّنها ـ لا فرق ـ ثمَّ حاول الكتابة في جزءٍ منها فشوَّه المعلومة التي استقاها من أستاذه إذا كان حقاً من تلاميذ الدكتور علوان ، وأنا لا أكذِّبه ، ولكن من حقي أنْ أفترض كذبه لأنَّني أعرف أنَّ أنصاف الكُتَّاب من أمثاله الذين لا يعرفونَ قواعد اللغة العربية ويخطئونَ فيها مثل أخطائه ، يلجؤونَ إلى الكذب بأنْ يدَّعوا أنَّهم تلاميذ فلان وفلان من الجهابذة والأجلاء ، فإذا كان تغوج صادقاً فقد أساء لأستاذه ذلك العَلَم العراقي ، بأنَّه خرَّج أناساً لا يعرفون قواعد لغتهم ، ناهيك بالتخبُّط في المعلومة التي سأبيِّن ما وقع فيه من الخلط والغلط فيها بعد قليل ؛ وإذا كان كاذباً فلا أدري من أين جـاء بهذه الأغاليط ، أو مَن قال له بها ؛ قولوا لي بربِّكم ! .
لذا سأوجز في ذِكر أخطائه المعلوماتية دون شرحٍ أو تفصيل ، أو سأشرح ما يستوجب الشرح لكن بإيجاز واختصار :
1 . لم يحدِّد الكاتب تغوج بالتحديد متى شرع العميد طه حسين بفتح الباب الذي يتعلَّق بقضية انتحال الشعر الجاهلي ، وقال : ( قبل أقل من قرن ) وهي عبارة مطاطية تتحمل التقديم والتأخير في السنين ، وتدلُّ على التخبُّط وعدم الدقة ، فإذا كان يعرف لِمَ لمْ يحدِّدْ ؟ .
2 . لا أعرف شيئاً عن الكتب الدينية الحديثة التي زعم أنَّ أصحابها أو مؤلِّفوها وضعوها بأسماء مستعارة ، ولا أريد أنْ اعرف ، وهذا من حقي ، وليس له أنْ يفرضها عليَّ ، لكنَّني أقول له ما علاقة هذه الكتب أو ما علاقة موضوعها بقضية الشعر الجاهلي ؟ ! ؛ وكذا ينطبق ذا الكلام على الكتب ( المئات ) التي زعم في آخر أكتوبته أنَّ مؤلِّفيها مجهولو النسب ! .
3 . وعن تضارب روايات الشعر الجاهلي في المصادر القديمة ، أقول مرَّة ثانية ، لو قرأ هذا الكاتب الشاب كتابي العميد المشار إليهما قبلاً لما كتب ما كتب عن تضارب هذه الروايات ، فالتضارب في الروايات ـ يا صديقي ويا أصدقائي ـ لم يكن فقط في أسماء الشعراء وآبائهم وأمَّهاتهم كما زعم الكاتب المتعجِّل ، وليس المهم تضارب الأسماء ، لكنَّ المهم هو تضارب روايات النصوص الشعرية ، وهذا ما لم يشر إليه السيد تغوج ؛ أمَّا تضارب اسم امرئ القيس فليس كما ذكر الكاتب أيضاً بأنَّ اسمه قيس ، فسُمِّيَ حندجاً وعَدِياً ومليكة ، وكُنِّي بأبي وهب وأبي زيد وأبي الحارث ، ولقِّب بالملك الضِّليل وذي القروح ، أمَّا أشهر ألقابه فهو : ( امرؤ القيس ) ، والقيس : من أصنام الجاهلية ، وأبوه حجر بن الحارث ، وليس ( عمرو أو عمر ) كما ظنَّ تغوج ، وأمَّه فاطمة بنت ربيعة أخت كليب ، أمَّا كون اسمها ( تملك ) ، فهو وهمٌ وقع فيه بعض الرواة بسبب خلطهم بينه وبين شاعر آخر ، لا يعرف السيد تغوج شيئاً عنه هـو : ( امرؤ القيس بن السِّمط بن امرئ القيس بن عمرو الكندي ) ، وهذا هو الذي اسم أمه ( تملك ) .
4 . وعن أنَّ العميد طه حسين لم يطَّلع على ديوان المفضَّليات ، أو أنَّه سكت عن هذا المصدر المهم ، فهذا كلام فارغ لا معنى له ولا يستأهل الردَّ عليه ، لأنَّ الدكتور طه حسين لم ينقل في كتابيه نصوصاً شعرية كاملة أو مجزوءة احتواها هذا الكتاب أو غيره من كتب المنتخبات الشعرية ؛ أمَّا كون الكتاب غير مطبوع في عصره ، فهذا كلام فارغ ولا معنى له أيضاً ، لأنَّ ( ديوان المفضليات ) مطبوع بمطبعة الآباء اليسوعيينَ ببيروت عام 1920م ، على نفقة كلية أكسفورد ـ الجامعة اليوم ـ مع شرح وافر لأبي محمد القاسم بن محمد بن بشار الأنباري ، وقد عُنِيَ الأستاذ المرحوم كارلوس يعقوب لايل بطبعه ومقابلة نسخهِ وتذييله بحواشٍ وروايات لعدَّة لغويين وعلماء ، وله طبعة أخرى قاهرية في المطبعة الرحمانية بمصر لحساب المكتبة التجارية الكبرى عام 1926م ، ضبطها وشرحها الأستاذ حسن السندوبي صاحب جريدة الثمرات ، وتعدُّ الطبعة التي حققها الأستاذان أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون متأخِّرة ، وقد صدرَت الأولى منها بمصر عام 1942م ؛ وأحيط السيد تغوج علماً بأنَّ العميد كان صاحب ذهنٍ متفتح وبصيرة نافذة ، وأسأله مَن قال له بأنَّه كانَ يستمع منذ صباه من الرواة قصص الجن وأنباء الأولياء وما يحصل لهم ؟ ، وإذا كان قد سمع فهل تعتقد أنَّه صدَّقهم أو صدَّق ما سمع ؟ ! .
5 . وآخر ما أودُّ أنْ أبيِّنه للسيد رعد خالد تغوج هذا الشاب العجول ، هو فيما كتبه عن موضوع : الذوق الفني والسليقة اللغوية ، فأقول : لم يفتِ رواة الشعر ووضَّاعيه أنْ يضعوه بلغة الجاهلية أو بلهجتها ، أو بلهجةٍ واحدةٍ زعموا أنَّها جاهلية ، ثمَّ أنَّه على السيد تغوج أنْ لا ينسى الفترة الزمنية الممتدة بين ظهور الرواة المحترفينَ الوضَّاعين أو النحَّالينَ للشعر وبين نهاية العصر الجاهلي بظهور الإسلام لا تتعدَّى المائة وخمسين سنة ، ولا أعتقد أنَّ ما سيحصل من تغيُّر أو تغيير في السليقة واللهجات سيكون طفيفاً ، ولا يفوتنا أنَّ قرآن المسلمينَ وُحِّدَتْ قراءاته وضبط على لهجة قريش الجاهلية ، فالراوية الشاعر الذي نحلَ الشعر لم يكن معاصراً يا صديقي تغوج .
***
وفي كلمةٍ أخيرة أقول لكم : لا تظنُّوا أنَّني قسوْتُ على الكاتب الأردني الشاب رعد خالد تغوج ، رغبة في القسوة ، ولا حُباً في التعالم عليه ، فجاءَتْ مقالتي هذه رحمة له وشفقة عليه ممَّا ورَّط نفسه فيه ، وأقول له ولكم : ما تعلَّمنا إلا قسوة أساتذتنا علينا ، وشِدَّتهم في التعامل معنا ، وإلى اليوم نعترف لهم بالفضل ونشير لهم بالبنان ونذكر فضلهم ودالَّتهم علينا ، لأنَّهم لم يضحكوا علينا .
والسلام .
ــــــــــــــــــــ

للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة إلى :
Ramzee_Alobadi@Yahoo.Com
Ramzee_Alobadi@Hotmail.Com

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

تعليق واحد

  1. د .محمد صالح رشيد الحافظ

    كذلك الصحف وحتى مناقشة الرسائل الجامعية صارت حسب القرب من مراكز القوى او الانتماء لشلة ومجموعة …!!!؟؟ حيث تجري الأمور بنفس السياق ( الانتماء والمجاملة )…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *